حقيقة.!

إن الكتاب هو زاد فكري ومعرفي يحتاجه كل إنسان مهما كان تخصصه في الحياة.

شعرية أبـي تمـام.pdf

للمؤلف: ميـادة كامـل إسبر
ظلت مسألة اللفظ والمعنى من المسائل التي وجّهت مسار النقد العربي، في مراحله المختلفة، بدءاً من المحاولات النقدية الأولى، التي شُغلت بقضية الجَودة في الشعر، وانتهاءً بالاتجاهات النقدية العربية الحديثة. وقد كان النقد العربي في جملته إجابةً عن أسئلةٍ اختلفت باختلاف الأهداف المتوخاة من مقاربة النماذج الأدبية الرفيعة والرديئة. فجاء في مدوناته الأولى ممتزجاً بمباحث البلاغة واللغة والإعجاز القرآني، حتى غدا فصله عن هذه المباحث أمراً يحتاج إلى جهد غير يسير. ومن جهةٍ أخرى، كانت مباحث البلاغة تندرج كلها تحت مفهوم البديع، الذي عرّفه القدماء بوصفه علماً تعرف به وجوه تحسين الكلام، وغدا وفقاً لهذه النظرة اسماً جامعاً لفنون البلاغة جميعها بما في ذلك الاستعارة، التي عدّها ابن المعتز في البديع. وبأية حال فإن البلاغة لم تعرف قبل السكاكي (ت 626هـ) التقسيم الثلاثي الذي تفرعت بمقتضاه إلى علوم البيان والبديع والمعاني، وعلى هذا فقد ارتبطت النظرة إلى البديع ووظيفته التحسينية بالموقف النقدي من مسألة اللفظ والمعنى، فقد أدى القول بثنائية اللفظ والمعنى إلى القول بثنائية أخرى هي ثنائية التعبير العاري والتعبير المزخرف، التي لم يُقيَّض لها أن تُحسَم قبل الإمام عبد القاهر الجرجاني(ت471هـ). كما كانت الخصومة حول مذهب أبي تمام الفني صدى جدلٍ واسعٍ ثار حول قضية الشعر المحدَث، ومدى مقاربته للنموذج الجاهلي الذي تناقله الشعراء، وصدر عنه النقاد في وضع أصولِ نظريةٍ للشعرية، اتضحت معالمها، وتمايزت ملامحها في نظرية عمود الشعر التي تكاملت على يد المرزوقي (ت 421هـ)، فكانت حصيلة نظرٍ نقديٍ دقيقٍ، أفاد منه المرزوقي، وجمع متفرّقه، فتوصل إلى صياغةٍ نظريةٍ لجملةٍ من المبادئ الأدبية التي إذا توفرت لشعرٍ حاز المزية والفضيلة. من هنا مثل عمود الشعر نظريةً في الشعرية، عبرت عن معايير القدماء في تمييز شعرٍ من شعر، معتمدين في ذلك ما جرى عليه الشعراء من أعراف وسنن، ولاسيما ما اتصل منها بمسألة المعنى الذي شكل جوهر نظرية الشعرية العربية، فقد كان البحث عن معنىً نهائيٍّ ومحدّد للنص هدفاً يسعى إليه الناقد، سواء أكان من أصحاب اللفظ أم من أصحاب المعنى. من هنا كان هذا البحث استجابةً لعدة تساؤلات يتصل بعضها بالنظريات النقدية الحديثة، وبعضها بالموقف النقدي العربي إزاء مسائل اللفظ والمعنى، وقضايا البديع. فلقد كانت غاية هذا البحث الموسوم بـ شعريةأبي تمامتتبعَ مسارات نظرية الشعرية الحديثة، وعوامل نشأتها، للإفادة من مقولاتها ومبادئها في كشف عناصر شعرية الطائي، التي كانت مثار جدلٍ أنتج حركةً نقديةً مهمةً، لا يمكن لباحث أن يتغافل عنها أياً كانت أهدافه. من هنا كان اختيارنا لأبي تمام الطائي استجابة لنوعين من التساؤلات؛ يتعلق الأول بقدرة النظرية الشعرية الحديثة على مقاربة ما انتهى إلينا من نصوص التراث العربي، وبمدى استجابة هذه النصوص لمفاهيمها وأدواتها. ويتصل الثاني بنظرة النقد القديم إلى البديع بوصفه زخرفاً لفظياً زائداً على المعنى؛ فقد كان الموقف النقدي من مسألة البديع أولاً ومن مسألة المعنى ثانياً وراء ذلك التباين الذي نلمسه في مواقف النظريتين إزاء مذهب أبي تمام؛ نعني بذلك نظرية الشعرية القديمة والحديثة. فقد انطلقت النظرية القديمة من افتراض وجودٍ قبليٍ لمعنىً تامٍ مكتملٍ، سابقٍ على وجود النص، وهذا الافتراض يختلف عما قدمته نظرية الشعرية الحديثة من أن المعنى هو أثر من آثار الشكل. فتغير وفقاً لذلك موقف الشعرية الحديثة من البديع، إذ رأت فيه عنصراً حاملاً للمعنى. إن الكشف عن ملامح شعرية أبي تمام في ضوء رؤية تستمد أدواتها من معطيات النظريات الألسنية انطوى على نوعين من الصعوبات، يتعلق الأول بالنظرية، بينما يتصل الثاني بالتنوع الذي وسم الموقف النقدي إزاء مذهب أبي تمام الفني، في نقدنا العربي قديمه وحديثه. فقد اتسمت النظرية في المؤلفات النقدية العربية في العصر الحديث بشيءٍ غير يسير من التنوع، مما جعل ضبطها وتصنيفها أمراً يحتاج إلى نظرٍ دقيق لتلمس الرؤية النقدية التي تحكم كلاً منها، بالإضافة إلى عدم التقيد بمفهوم واحدٍ لمصطلح الشعريةعند الناقد الواحد، مما جعل مسألة التصنيف أكثر صعوبةً. وقد اعتمدت في سبيل تخطي الصعوبة التي أورثها هذا التنوع، تتبع مواضع استخدام المصطلح لرصد المفهوم الذي شُغل به عند الناقد الواحد. أما التنوع الذي وسم الموقف النقدي إزاء مذهب أبي تمام الفني فقد حاولت أن أجعل منه عاملاً يثري البحث ويغنيه. إذ وطّنتُ النفس على الاطلاع على هذه الآراء، لتكوين رؤيةٍ نقديةٍ واضحة أنطلق منها لدراسة ملامح شعرية أبي تمام، وإذا بها تتحول إلى مادةٍ أساسيةٍ أسهمت في تشكيل نسيج البحث. والحق أن المنهج البنيوي شديد المساس بموضوع البحث، إذ إن النظرية الشعرية الحديثة كانت وليدة البنيوية الأدبية، التي استبدلت بالسؤال: ماذا يقول النص؟ سؤالاً آخر هو: كيف يقول النص ما يقوله؟ وبهذا انتقل البحث في الماهيات إلى البحث في الطرائق والكيفيات. من هنا كان اتكاء البحث على المنهج البنيوي، الذي غدا منهجاً تحليلياً علمياً، تم تطبيقه في مختلف الحقول المعرفية، ونقله الشكلانيون إلى الأدب، فتأسست على أيديهم البنيوية الأدبية، التي كانت محصلة تطبيق النموذج البنيوي على الأدب، بعد أن ثبت نجاحه على اللغة. من هنا وجدنا لزاماً علينا أن نوضح النظرية، قبل أن نبدأ باستخدام ما توفره من مفاهيمَ وأدواتٍ تتيح التخلص من النظرة التي تفصل اللفظ عن المعنى، وذلك من خلال مفهوم البنية نفسه. بالإضافة إلى جملة من المفاهيم يأتي في مقدمتها مفهوم الوظيفة، والنسق، والعلاقة، والقيمة، وغير ذلك مما حاولنا إيضاحه في متن الدراسة. من هنا كان لابد قبل اختبار أدوات هذه النظرية منالتعريف بالشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي. ثم انتقلت إلى دراسة ملامح حركة التجديد التي حمل بذورها شعر الطائي، وأشرت إلى أهمية هذه الحركة التي استتبعت نشاطاً نقدياً واسعاً، ما تزال أصداؤه تتردد إلى اليوم. وكان لابد لي قبل الانتقال إلى دراسة ملامح شعرية أبي تمام من الوقوف على آراء أعلام النقد العربي قديمه وحديثه في شعرية أبي تمام. انتقلت بعد ذلك إلى دراسة أبرز الملامح التي شكلت خصائص مذهبه الفني، وكان في مقدمتها اللغة الشعرية. وقد تناولت فيها مسألة البديع، وصلته بقضية اللفظ والمعنى، كما درست العلاقة بين الشعر واللغة، وانتقلت بعد ذلك إلى كشف موقف النقد العربي القديم من لغة أبي تمام. لأقف بعد ذلك على ظاهرة الغريب في شعر أبي تمام، فوضحت مفهوم الغريب، وقابلت بين موقف الشعرية القديمة والشعرية الحديثة من غريب أبي تمام. ثم درست صلة الغريب بالمعنى، في قافية الضاد في باب المديح من ديوان أبي تمام، وعارضته بالمادة اللغوية في المعجم في باب الضاد، لأصل إلى نتيجة مؤدّاها أن أبا تمام يسند إلى غريب اللغة وظيفةً شعريةً من خلال إدخاله في علاقات متنوعة، تنقله من مستوى المادة اللغوية الغفل، إلى مستوى الأداة الفنية. وانتقلت بعد ذلك إلى تصنيفٍ يضبط مسار النظرية، كما تجلّت في المشهد النقدي العربي في العصر الحديث، بعد أن أشرت إلى بعض المصاعب التي تعترض هذا التصنيف من قبيل إشكالية المصطلح، والمفهوم، ووجدت أن النظرية اتخذت اتجاهين رئيسين الأول اتجه إلى توضيح أصول النظرية، ومفاهيمها ومبادئها، وهو الاتجاه النظري، والثاني تناول هذه النظرية بالتحليل والمقارنة مع المنتج النقدي العربي الموروث، في محاولة لتأسيس مشروعية هذه النظرية، وإثبات قدرتها على الانسجام وتفكيرنا النقدي العربي. ولم يخلُ الاتجاهان من محاولة توظيف مبادئ النظرية ومفاهيمها، للكشف عن الجوانب الشعرية في النصوص العربية، قديمها وحديثها. وقد حاولت في أثناء ذلك الكشف عن بعض الإشكالات التي اعترت النظرية إثر انتقالها إلى الثقافة العربية، ولاسيما ما تعلق منها بمسألة المعنى، إذ إن النظرية في ثقافتها الأصلية تتجاهل المعنى، وهو مما يتنافى مع أسس ثقافتنا التي عدَّت المعنى جزءاً أصيلاً، بل غايةً يسعى إليها المبدع والناقد، على حدٍّ سواء. ولما كانت نظرية الشعرية الحديثة شديدة التعالق بالاتجاهات الحداثية الكبرى، كان لابد من أن أضع حدوداً تفصلها عن أقرب الحقول المعرفية إليها، أعني بذلك حقل البحث الأسلوبي فتوصلت إلى أن مفهوم (الانزياح) هو المجال الذي يتداخل فيه الحقلان، ومن أجل ذلك حاولت توضيح هذا المفهوم وتوصلت من خلاله إلى جملةٍ من النقاط تفصل نظرية الشعرية عن حقل البحث الأسلوبي، بوصف كلٍ منهما إنتاجاً مباشراً للنظرية اللسانية الحديثة. ثم انتقلت بعد ذلك إلى توضيح مفهومٍ اتكأ عليه البحث في أثناء تحليل المادة الشعرية، وهو مفهوم (الوظيفة)، وتوصلت إلى صياغةٍ نظريةٍ توضح هذا المفهوم، وتكشف عن الأسس التي ينهض عليها، فوجدت أن مفهوم (الوظيفة) مفهوم متعالق مع مفاهيم أخرى، كمفهوم (العلاقة)، و(القيمة)، وأنه لا وجود لهذه المفاهيم خارج البنية. كما توصلت إلى نتيجةٍ مفادها أن (الوظيفة) هي المفهوم الذي يميز مجال عمل نظرية الشعرية، من حقل البحث الأسلوبي؛ فالأسلوبية تتجاوز الشعريةَ، إذ إنها لا تقف عند فحص أساليب النصوص الأدبية، بل تتعداها إلى أساليب الخطاب الإنساني مهما تنوعت وظائفه.في الوقت الذي تتجاوز فيه الشعريةُ الأسلوبيةَ من جهة سعيها إلى ضبط القوانين التي تجعل الفاعليات الأدبية ممكنةً. ثم انتقلت إلى دراسة شعرية التضاد والتوازي عند أبي تمام؛ فدرست العلاقة بين التضاد ولغة الشعر، لأنتقل إلى دراسة فاعلية الطباق والمقابلة في توليد المعنى، وقد اخترت محور الطلل للكشف عن وظيفة الطباق في توليد المعاني. لأنتقل بعدها إلى شعرية التوازي، فوضحت مفهومه، وكشفت عن أهميته في تحليل الأنساق التي يبني عليها الشاعرُ نصَّه. ودرست وظائف التوازي، وأشكاله، من خلال نماذجَ مختارةٍ من ديوان أبي تمام. وتكلمت بعد ذلك على أثر البنية النحوية في تحوير المعنى، والشكل. أما الفصل الثالثفقد درست فيه شعرية النفي والجناس والتكرار عند أبي تمام، فتكلمت على وظيفة النفي في إبراز المعنى، حين يغدو مبدأً شعرياً، يتم من خلاله توليد المعنى، ثم وسّعت مفهوم النفي ليشمل العلاقة بين نصين، قد يكونان لشاعر واحد، وهذا ما درسته تحت عنوان (حركة الثنائيات) وقد يكونان لشاعرين ينتمي كل منهما إلى عصرٍ مغاير لعصر الآخر، وهذا ما درسته تحت عنوان (الشاعر والتراث). ثم عالجت شعرية التكرار، فدرست أثر التكرار في إنتاج الجمل المعقدة التي درسها نقدنا القديم في باب المعاظلة. كما تكلمت على وظيفة التكرار في تحقيق تماسك النسج، من خلال مجموعةٍ من النصوص تم اختيارها من ديوان أبي تمام. ثم درست العلاقة بين الجناس واللغة، وآلية تحول الجناس إلى مبدأ شعري يتيح توليد الدلالات المتنوعة، لأنتقل بعد ذلك إلى مسألة الجناس وشعرية الاختلاف؛ من خلال رصد الطريقة التي يتحول بها الجناس من عنصر يحيل على الائتلاف في مستوى اللفظ إلى عنصر يحيل على الاختلاف في مستوى الدلالة. ثم أنهيت البحث بخاتمة توجز ما وصلت إليه من نتائج، ورأيت أن ألحق به مسرداً بالمصطلحات التي اتكأ عليها البحث باللغتين العربية والإنكليزية. وثبتاً بالمصادر والمراجع.

شعرية أبـي تمـام.pdf

تفاصيل كتاب شعرية أبـي تمـام.pdf

للمؤلف: ميـادة كامـل إسبر
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 29

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: ميـادة كامـل إسبر

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: