حقيقة.!

عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرسر والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوماً متحضرين.

شغب بازلتي.pdf

رفعت جسدها على أصابع القدمين، حتى إذا ما تغلّبت على قصر قامتها أطلقت ذراعها للأعلى، كانت تتحسّس كل ما تطاله أصابعها بحثاً عن الثمار الأكبر، فما إن تتحرك أوراق الشجرة حتى يهتزّ القمر المتوهِّج وينساح النور على الإجاصات المختبئة. في العتمة تتذكر أنها عجوزٌ، تنصت للأغصان الرفيعة وهي تخزها في هبوطها وارتدادها لتقطع لهاثها المسموع إلى أن تحين هجعتها فتستكين. كوَّمت ما جمعته في ثوبها ورجعت. ظنّت أنها تعجِّل، إلاّ أنّ مشيتها الأشبه بترنّح بطة عرجاء فضحت بشكلٍ ما تواطؤاً مع السكّري والضغط. بدأ الغطاء الذي علا رأسها بالنزول نحو الحاجبين، وارتفع الخدر عمودياً في ساقيها، إلاّ أنّ شفتيها المتعبتين لم تتوقفا عن ترديد: أسعده ياربّ. في فناء الدار عاينت جلستهما الصيفية، كان لايزال فوق كرسيّ البلاستيك الأبيض، فيما واصل والده على البساط تقطيع البطيخة في محاولةٍ ماكرة لاستبقائه أكثر. سحبت الغطاء حتى أعلى الجبين ليتكشّف إنهاكها الذي سال عرقا، أخذت تتملّى بمتعةٍ تفاصيل وجهه، وتستمع لحديثه الناعم المبستر الموجّه لهاتفٍ محمول، كان يؤسيها الأرق الذي يعطب على الرغم من كل شيءٍ طراوة كلماته، فينشقُّ قلبها ويتلهّف لابتسامةٍ تمسٌّ ثغره، تتشاغل بغسل الإجاص، ثم تقدّمه إليه على قلبها المنشقّ. يقفل هاتفه، فيندحر الودُّ من خطوط المجاملة في وجنتيه، يلتفت إليها شاكراً، معاتباً إياها بشيءٍ من التهذيب لأنها أرهقت نفسها، تحبس في حلقها تذكيراً حادّاً بأنّها أمه، وبأنها تعاف اللباقة الزائدة كونها لا تلزم إلاّ مع الغرباء، تخرق سكوتها لتبتسم كما لو أنها تشجّعه على الابتسام، يتجاهلها مخاطباً أباه في أمورٍ لا تعنيها. تسوّي جلستها على كرسي بلاستيك آخر، وتحملق فيه مدهوشةً مثل كل مرة، تراه في البدلة الرسمية السوداء عريساً، تنسى الشيب المتفتّح في شعره، تنسى زوجته وأولاده، تمتلئُ رغبةً عارمةً في إطلاق زغرودة، لكنها سرعان ما تخجل من نفسها ربما لأنها في الحقيقة تتمنى فعل ذلك لتلفت الجيران إليه، وإلى سيارته الفارهة المركونة تحت معرّش العنب، إذ طالما فاخرت به وبكل ما يمتُّ إليه برابط. يتغنّى الناس أمامها ببشاشته ومكانته وأخلاقه، لا يدرون أنّ ما يجلبه في كلِّ مرة همٌّ تضخم أو ضيق قد عصف، وحدها تشعر أنه يقبّل أيدي والديه وكأنها مناديلٌ لمسح الألم لاأكثر، تساءلت كيف له أن يسعد الآخرين ولا يتصدّق عليها ببسمة، فالبسمة فقط كانت لتطمئنها عليه وتقنعها بأنّه لا يتمزّق فلا تتمزّق. تمتمت من جديد: أسعده يارب، ودنت منه تعرض ضيافتها، تذرّع بانطفاء الشهية واعتذر، ألحّت، فعمّق اعتذاره، حتى إنّه عندما عمّقت بدورها إلحاحها تذمّر بنبرةٍ عالية، انسحبت، وسحبت من أذنيه صوتها، أوهمت نفسها بأنه مضطربٌ أو موجوع كي تستطيع التماسك. واصل أبوه الحديث الذي قطعته، بينما مسحت بصمتٍ جبينها المتعرّق.

شغب بازلتي.pdf

تفاصيل كتاب شغب بازلتي.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: doc
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 28

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: