حقيقة.!

الكتاب الجيد يتحدى ولا يعجز إنه أرقى من مستوى القارئ لكن إستيعاب معظمه يبقى ممكنا.

مختارات من «أفضل ما كتب ساكي».pdf

بقلم: توم شارب منذ عصر يوم من أيام صيف عام 1938، حين تلا السيد رايت، وهو معلم في مدرستي الإعدادية على صف من الأولاد في سن العاشرة قصة -توبرموري-، أصبحت مدمناً مصاباً بالحيرة على قراءة -ساكي-. ففي ذلك الحين لم أكن أعرف ما تعنيه عبارة -ضار-، ناهيك عن ماهية -سيزيف-، ولكني لم أكن لأصدق أن القطط يمكنها أن تنطق ولم أستطع أن أفهم على أي حال أن توبرموري قال شيئاً رهيباً جداً إلى حد أنه توجب دس السم له. أما أفضل جزء من القصة حسب ظني فكانت النهاية. لقد اتفقت من كل قلبي مع كلوفيس حين قال إنه لو كان كورنيليوس أبين يحاول أن يعلم الفيل الذي قتلته الأفعال الشاذة في اللغة الألمانية فقد استحق ما جرى له لاحقاً. من بين واجبات السيد رايت كانت محاولته أن يعلمني صيغة ablative absoluteلا وكنت أتمنى حقاً لو أنه جرب تعليمي شيئاً عن الفيلة. وإذا ما تطلعت الآن إلى الماضي، لاستطعت أن أرى أني كنت على خطأ. كان السيد رايت رجلاً ذا بصيرة. لقد عرفني على ساكي، كما أعطاني كتاب -انحدار وسقوط- لإيفلين وو لأقرأه. ولم يكترث قط بأن يشرح لي ما كانت تعنيه كلمات شأن Feral. كان يقنع بالتقديم وكان علينا نحن أن نحل الأحجيات بأنفسنا. ومنذ ذلك الحين وساكي يحيرني، أنا الذي أصبحت مدمناً على عالمه الخيالي الممتع الذي ينتصر فيه الشر المبدع على الغرور، وحيث يستطيع الأطفال الشيطانيون من أمثال -فيرا- أن يقنعوا شاباً كئيباً تقليدياً مضى في طريق السياسة بالروح التي قد يذهب بها أشخاص آخرون إلى ما يشبه نصف حالة حداد، يستطيعون إقناعه بأن ينفق ليلة مروعة مشاركاً خنزيراً صغيراً وديك مصارعة شهوانياً في غرفة نومه بحجة مزيفة: أن خزان المياه في برينكلي قد انفجر وأن فريقاً من الكشافة الذين انقطعت بهم السبل يحتل الحمام. كانت تلك نكتة من النوع الذي كنت أتمنى لو مارستها بنفسي. إن قصص ساكي هي على الأغلب نكات عملية مروعة. ولو كان هذا كل شيء، لكان فيه ما يكفي، ولكن هناك أكثر مما هو كوميديا بسيطة. إن ملاحظاته عن الناس والسلوك دقيقة، كما أن ظرفه من النوع اللاذع، لذلك فإن القصص، منذ بداياتها الفجة، تتحول إلى نقد اجتماعي كما أنها تروى بأسلوب وإيجاز يفتناننا ويجعلاننا نقبل معظم النتائج غير المحتملة. ابدأ بقراءة قصة لساكي ولسوف تنهيها. وإن انتهيت من قصة سيكون عليك أن تبدأ بأخرى، وبعد أن تنتهي من قراءتها كلها فلن تنساها قط. إنها تتبقى كنوع من الإدمان لأنها أكثر بكثير من مجرد كونها مثيرة للضحك. إنه الضحك الممزوج بحس الوحشية، والسخرية المصقولة الممزوجة بمبدأ وحدة الوجود، والإنكار الكامل للمبادئ الأخلاقية الممزوج بالمثالية، لذلك فإن النتيجة التي نخرج بها هي ذلك الشعور المقلق بأننا شاركنا في احتفاء بالغريزة الذكية والعارية. لقد تم الانقلاب على المدنية وحل محلها المافوق طبيعي. وكل هذه العبادة للغريزة تأتي إلينا على نحو أكثر قوة. إنها تبرز من خلفية للقصة هي عبارة عن حفل منزلي أو مناسبة شرب الشاي في وقت العصر وجميع التقاليد المكرسة للمجتمع الإدواردي.اخرج عبر النوافذ ذات الطراز الفرنسي فتجد نفسك في عالم الإله -بان- وسيكون عليك، ما لم تبد الولاء، أن تدفع الثمن بحياتك إن كنت تؤمن بالتقدم المادي وفضائل الطبقة الوسطى الجديرة بالاحترام. في عالم ساكي، ينتصر الحيوان الذكي، وهناك دائماً الافتراض بأنه لو تصرف البشر كالحيوانات، فإن العالم سيكون ذا نظام أكثر عقلانية. قبل وقت طويل منzootheismالمعاصرة التي نادى بها لورنز وموريس، وبدون أي من الحماسة -العلمية- الخاصة بهما، كان ساكي يعرض تفضيلاً للسلوك الحيواني مع افتقار منعش إلى الروح العاطفية. إنه لمن الضروري فحسب أن نتصور ما الذي كان سيحدث لـ -ماوغلي- لو أن ساكي كان على صلة بـ -كتاب الأدغال، لنرى كم كان واقعياً. وكنا لن نحظى بالتأكيد بـ -بو-. ستبقى وحوش ساكي الفوقية حيوانات بشكل دائم، كما أن المفردات التي تستخدمها لا تشمل -الشفقة-. لذلك فإنه ليس مدهشاً على الإطلاق أننا نصاب بالحيرة وبعض الانزعاج ونحن نضحك. ما تزال ذرائعنا تجاه مثل هذا النوع من الواقعية غير حصينة كما كان شأنها منذ سبعين عاماً. لقد تلقت هزيمة في هذه الأثناء ولكننا نتشبث بالاعتقاد بأننا أفضل المخلوقات جميعاً في أسوأ العوالم الممكنة كافة. تساعدنا قدرة ساكي على جعلنا نضحك على تصحيح التوازن. إن كانت القصص ذات تأثير غامض، فإن حياة ساكي تضيء إلى حد ما أصولها. فقد ولد في بورما في عام 1870، لأب هو المفتش العام للشرطة البورمية، وقد عمّد باسم: هكتور هيو مونرو . توفيت أمه بعد ولادته بوقت قصير فأعيد إلى إنكلترا مع أخ وأخت يكبرانه في السن، لتقوم على تربيتهم عمتان عازبتان. إن التأثير الأدبي للعمات في عهد الإمبراطورية البريطانية أمر لم يتم التحقيق فيه بشكل ملائم، ولكنه ذو أهمية أساسية على ما يبدو. لقد وضع أطفال موظفي الإدارة الاستعمارية تحت رعاية العمات (الخالات) في الوطن بالأسلوب القاسي نفسه الذي قيل إن أهل إسبارطة كانوا يتركون به أبناءهم حديثي الولادة على سطح البيت طوال الليل ليروا إن كانوا أهلاً للبقاء أحياء. بعض العمات، شأن عمات بي جي وودهاس مثلاً، كن رؤوفات، وتم تخليدهن بشكل محبب في عالمه اللطيف. أما تجربة كيبلينغ مع -المرأة من ساوثسي-، وهي عمة بديلة، فكانت كافية لتشعره بالمرارة طوال حياته. ولكن كيبلينغ وودهاوس استطاعا النجاة على الأقل بالتحاقهما بنعيتم المدرسة الثانوية الداخلية الأهلية. أما ساكي فتلقى المعالجة الكاملة على يد العمة العانس، دون أي تخفيف لها، لثلاثة عشر عاماً، وفي أكثر أشكالها جنوناً. كانت عمتا ساكي، توم وأوغستا، تعيشان مع أمهما في بيلتون في ديفون الشمالية، وكانتا تنفقان وقتهما على كره الواحدة للأخرى كرهاً أشبه بالسم والتصرف وفقاً لذلك. فلو أحبت العمة توم أن تفعل شيئاً كانت العمة أوغستا تحب وتريد الضد تماماً. وقد علق الأطفال الثلاثة بين النيران التي تنصب من الجهتين في هذه الحرب بين الأختين، وبما أن العمة أوغستا كانت الأشد خطراً بين الاثنتين، فسرعان ما تعلم هؤلاء أن يتظاهروا بأنهم يفعلون ما كانت تريده. وفي الواقع فقد خلقوا عالمهم الخاص بهم، ومنح هكتور عاطفته للحيوانات المدللة. وقد زودتهم المربيات ببعض التعليم، ولكن أطفال آل مونرو بدوا وكأنهم كانوا يعلمون أنفسهم بأنفسهم. كان هكتور يرسم أسوداً تلتهم عاملات في مجال التبشير الديني يبدون شبيهات إلى حد مثير للريبة بالعمتين، أو دببة كانت دياسيمها قـد اختطفت فانتقمت بقتل اثنين وثلاثين شخصاً. وكان يرفق رسماته بقصائد فكاهية مؤلفة من خمسة أبيات، ولكن كان هذا هو المدى الذي وصلته جهوده الأدبية كطفل. كان اهتمامه الرئيسي عدا الحيوانات يبدو وكأنه منصب على التاريخ، وبعد موسم انتخابات جرى في بارنستابل اختار السياسة. تقول أخته في سيرة الحياة التي كتبتها عنه: -أصبح التاريخ منـذ ذلك الحين موضوعه المفضل، وبما أنه تمتع بذاكرة رائعة، فإن معرفته بالتاريخ الأوربي منذ بدايته كانت مثيرة للإعجاب-. كما كان التـاريخ الطبيعي يخلب لبه. هذه الاهتمامات التي تشكلت في طفولته بقيت معه طوال حياته، ومعها حبه للريف. لقد توقف حقاً عن الرسم والتفت إلى الكلمات، إلا أن صوره اللفظية تحوي تلك العناصر المريرة الكاريكاتورية نفسها، كما أن موضوعة الحيوانات الغاضبة التي تنتقم على نحو مبرر من البشر ذوي الأفئدة القاسية تكرر نفسها. وحتى الريف كان يُستحضر ليوقع الغافلين في شراكه. ولكن، وقبل كل شيء بقي مترعاً بكره للعمات وكل ما يمثلنه: السلطة الاعتباطية والنفاق والبخل والملل والغباء والتقاليد. وتقـول أخته إن قصة -غرفة السقيفة- تتضمن صورة دقيقة للعمة أوغست، وفي قصة -سريدني فشتار-، تتجلى أحلام ساكي وهو بعد صبي صغير. ومما زاد في الأمور سوءاً أنه كان طفلاً معتل الصحة ومريضاً في أغلب الأحيان. وحين بلغ التاسعة، أصيب بما كان يسمى آنئذ -الحمى الدماغية- فلم يلتحق بالمدرسة الثانوية في بدفورد حتى بلغ الخامسة عشرة. وبعد عامين من ذلك، تقاعد أبوه من الشرطة البورمية وعاد إلى إنكلترا ليستعيد أطفاله من العمتين. ترك هكتور المدرسة، واستمر تعليمه في السنوات الست التالية بشكل عشوائي مترافقاً مع رحلات في أوروبا وزيارات إلى المتاحف وصالات الفن التشكيلي والدروس الخصوصية في دافوس (سويسرا) حيث كانت الأسرة تمضي معظم السنة. ومن سيرة حياته بقلم أخته نستطيع أن نلتقط لمحة لتلميذ في جسد رجل، مولع بالنكات العملية ويتمتع بذوق ميال إلى علم شعارات النبالة والعناصر الرومانسية في التاريخ. وإذا ما جعلته العمتان يتمتع بحس قاس بالواقع، إلا أنه كان يهرب الآن إلى المثالية الرومانسية التي تبلغ حد الفروسية. وهذا ما تجلى أيضاً في كتاباته المتأخرة، ولو أنها أصبحت اصعب على التمييز، إلا أنها ما تزال موجودة. حولت هذه الرحلات التثقيفية للعائلة والحياة الكوزموبوليتانية التي عاشها خلال ست سنوات، حولت مونرو من تلميذ في جسد رجل إلى شاب مثقف ومحنك جزئياً وموهوب باللغات وبحس التمييز الفني؛ كما منحته معرفة بالحياة في المجتمع المتنقل للفنادق الأوربية. ولم يتخذ عملاً حتى بلغ الثالثة والعشرين ولحق بأخيه وأبيه في الشرطة البورمية. وقد بقي فيها ثلاثة عشر شهراً وتلقى سبع إصابات بالملاريا، ثم عاد إلى إنكلترا مريضاً جداً فلم يتمكن من السفر من لندن إلى ديفون حتى شفي. وفي السنتين اللاحقتين عاش في وستوورد هو، ليستعيد قوته بركوب الخيل والسباحة والقيام بمشاوير في الريف. في عام 1896، عاد إلى لندن وبدأ يعمل ككاتب فألف كتاباً عن تاريخ روسيا عنوانه -نهوض الإمبراطورية الروسية-. من الواضح تأثره بكتاب غيبون -انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية-، فكتابه يحكي التاريخ الدموي لروسيا حتى القرن السابع عشر، وكان الكتاب شديد الانتقاد والفكاهة فلم يقبل ككتاب جيد في حقل التاريخ. ثم جرب مونرو كتابة القصص القصيرة، وفي عام 1900 بدأ مع فرانسيس كاروذرز غولد، رسام الكاريكاتير، بسلسلة ساخرة في صحيفة -وستمينيستر غازيت- سماها -أليس في ويستمينستر-. وفيها صوّر وزراء بريطانيا كشخصيات في رواية -أليس في بلاد العجائب-. ثم نشرها في كتاب، فحقق هذا الكتاب -أليس في ويستمينستر- نجاحاً وشعبية. ثم أتبعه بسلسلة أقل نجاحاً -قصص ليست كذلك-. في ذلك الحين كان مونرو قد حقق شهرة ككاتب ومعلق سياسي وفي عام 1902، بعد مرض خطير آخر، الالتهاب الرئوي المضاعف، انضم إلى أسرة صحيفة -مورنينغ بوست- كمراسل وأرسل إلى البلقان ليغطي أخبار الحرب التي كانت تجري هناك. في السنوات الاثنتي عشرة التالية بقي مونرو صحفياً محترفاً وكاتباً للقصص القصيرة ينشرها في المجلات. سافر إلى خارج بريطانيا كثيراً، وأنفق الكثير من الوقت في بولندا وروسيا وفرنسا كمراسل، وفي عام 1904 نشر أول كتبه -قصص ريجينالد- تحت الاسم المستعار -ساكي- أو -ساقي- . أما مجموعته الثانية -ريجينالد في روسيا- فنشرت عام 1910، وفي ذلك الحين كان قد استقر في لندن ليكتب بثبات. وقد سكن في شقة في شارع مورتيمر وكان لديه كوخ في ساري. ويبدو أنه كان شخصاً هادئ الطباع مراوغاً، وبينما يعود بعض السبب في أننا لا نعرف سوى القليل عنه إلى أخته التي رفضت أن تتيح المجال للوصول إلى أوراقه بعد وفاته، ثم أحرقتها أخيراً، إلا أنه يبدو وكأنه بقي خارج أضواء الشهرة الأدبية وأنه اعتمد أسلوباً في الحياة يتسم بالخصوصية. كان عضواً في -نادي شجرة الكاكاو-، حيث كان يلعب البريدج، وإذا ما صدقنا كلام ابن خالته الميجور سي دبليو ميرسير، الذي كان يكتب بالاسم المستعار-جورنفورد ييتس-، فقد كان مونرو يصادق مجموعة من الأشخاص العاديين. إن هذا، وحقيقة أنه كان يحضر الحفلات ويقضي عطل نهاية الأسبوع في المنازل الريفية، فلم يكن متحدثاً عظيماً أو شخصا ظريف الحديث، يساعدنا على فهم عدم توفر تفاصيل ملائمة عن سيرة حياته. في ساعات الصباح كان يكتب في شقته، ثم يتناول الغداء في نادي ليونز، وفي المساء كان يذهب إلى ناديه أو إلى المسرح. أما مواهبه فتركها لكتابته. في عام 1911، نشر -حكايات كلوفيس-، وفي عام 1912، نشر رواية -باسنغتون الذي لا يطاق-. في عام 1913، نشر رواية أخرى عن الحياة في إنكلترا تحت الاحتلال الألماني بعنوان -حين أتى ويليام-، وفي عام 1914، نشر آخر مجموعاته القصصية التي نشرت خلال حياته -وحوش ووحوش كبرى-. وضعت الحرب العالمية الأولى نهاية للعالم المريح للطبقة الوسطى الذي كان يكتب عنه، كما وضعت نهاية لساكي نفسه. ومع أنه كان في الرابعة والأربعين، تطوع كجندي عادي ورفض رتبة الضابط أو العمل كلغوي. وشأن كثير من أبناء جيله، فإنه يبدو وكأنه رحب بفرصة وضع مثالياته الرومانسية قيد الممارسة. في عام 1915، مضى إلى فرنسا ورقي إلى رتبة وكيل رقيب . في تشرين الثاني من عام 1916، ورغم أنه كان قد أعيد إلى القاعدة بعد إصابته بالملاريا، إلا أنه عاد إلى الجبهة، وهو ما يزال مريضاً، للمشاركة في الهجوم على بومون هامل. في وفي الساعات الأولى من صباح 14 تشرين الثاني، وبينما كان يرتاح في حفرة خلفتها إحدى القنابل، سمع وهو يصيح:- أطفئ تلك اللفافة اللعينة!-. وبعد لحظة أصيب في رأسه بطلق ناري. وهكذا تركنا ونحن لا نعرف في الواقع سوى القليل جداً عن هذا الرجل الهادئ الرقيق والمراوغ الذي بدأ يكسب عيشه من كتابة التاريخ الواسع وانتهى بأن ترك لنا مجموعة غريبة من القصص القصيرة جداً. ولن نتمكن قط من التأكد من أنه كان مجرد شخص ظريف فحسب أم شخصاً يحب تسلية الناس أم شخصاً جدياً إلى حد عميق استخدم الكوميديا كوسيلة ليغطي على خيبة أمله الرهيبة. لقد تركنا نتساءل عن السبب في أنه اختار اسم ساكي (ساقي) كاسم مستعار له. تدعي أخته أنه اختاره من كتاب -رباعيات عمر الخيام- الذي ترجمه فتزجرالد، ولكن ساقي الرباعيات، ناهيك عن تجواله بين رواد الحانة، يبدو وكأنه لا شيء مشترك لديه مع الرجل الذي كتب تلك القصص. حين سمعت لأول مرة في المدرسة هذا الاسم المستعار افترضت بالطبع أنه اختصار لكلمة sarcasticوتعني -الساخر-. ولكن لدي الآن نظرية مختلفة تماماً. وهذه تعتمد على حقيقة أنه حين بدأ يتكسب من الكتابة، فقد فعل شيئاً غير عادي إطلاقاً. لقد وصل إلى لندن واستقر في غرفة المطالعة في المتحف البريطاني وألف تاريخاً عن الإمبراطورية الروسية منذ بداياتها وحتى القرن السابع عشر. وقد بدت تلك طريقة غير تقليدية إلى حد كبير كطريقة لبدء مهنة الأدب. لم يكن ساكي قد تلقى أي تدريب في البحث التاريخي، وقد تساءلت من أين جاءته الفكرة. ونحن نعرف من أخته أن ولعه المبكر كان بالتاريخ: -التاريخ في ذلك الحين ودائماً بعد ذلك، لأنه كان موضوعه المفضل، وبما أنه تمتع بذاكرة رائعة، فإن معرفته بالتاريخ الأوروبي منذ بدايته كانت مثيرة للإعجاب-. هكذا هو الأمر تماماً، ولكن اختياره للإمبراطورية الروسية أذهلني على أنه أمر شديد الطموح حتى تذكرت كتاب غيبون: -انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية-. لقد خطر لي أن غيبون ربما كان قد زوّد ساكي بنموذج يحتذى. بالطبع لم يكن ساكي قادراً على تأليف -انحدار وسقوط الإمبراطورية الروسية-، بما أنها كانت ما تزال قائمة، ولكن معالجته لنهوضها يحمل عدداً من التشابهات مع عمل غيبون. إن أسلوب ساكي، الذي يتحلى بحكمه البارعة وسخريته، ومعالجته للكنيسة بأسلوب يخلو من الاحترام، والمدى الواسع لعمله، والتركيز على أعمال القسوة والخيانات والتصرفات البربرية في تلك العهود، تبدو وكأنها مستمدة من تاريخ غيبون. وشأن ساكي، كان غيبون طفلاً عليلاً ولم يكن متوقعاً له أن يبلغ سن الرجولة: توفيت أمه حين كان في العاشرة وبينما انتقل أبوه بعيداً، فقد أرسل إلى عمته لتربيه في بيت جده. كان تعليمه متقطعاً بسبب المرض، كما كان يصاب بالمرض مراراً فلا يداوم على المدارس. وأخيراً، شأنه شأن ساكي، أرسل غيبون إلى سويسرا في سن السابعة عشرة وهناك تعلم الفرنسية. وبما أنه من الواضح من قراءة -نهوض الإمبراطورية الروسية- أن ساكي كان على اطلاع بأعمال غيبون وأسلوبه، لذا يبدو من المحتمل أنه لاحظ هذه التشابهات العجيبة في طفولتيهما، وهذا يساعدنا على أن نفسر السبب في أنه في سن السادسة والعشرين، وصل إلى لندن وانطلق في تقليد سلفه على أمل أن يكسب الشهرة والثروة. وقد فشل في كسب الاعتراف الذي أمل به، والتفت بدلاً عن ذلك إلى القصص القصيرة والنقد السياسي الساخر بالاسم المستعار -ساكي-. والآن، بعيداً عن كونه -ساقي- الرباعيات، فإن كلمة -ساكي - شأنها شأن -غيبون-، هي اسم لنوع من السعادين. وفي نسختي الخاصة من الموسوعة البريطانية فإن الساكي يوصف على أنه سعدان جنوب أمريكي يتميز بذيل طويل كثيف الشعر، كما أنه حيوان رقيق جداً وهو عادة صامت. كان مونرو حيواناً رقيقاً جداً أيضاً، ويصفه أحد رفاقه في الجريدة بأنه كان من الصعب أن تستخرج منه كلمة. إذن، فقد كان من النوع الصامت أيضاً. لو كان هذا هو كل الدليل الذي بين أيدينا،، لكان غير كاف، ولكن في هذه المجموعة قصة تدعى -إعادة قولبة غروبي لينغتون- قدم لها الكاتب باقتباس من يوربيديس: -فكل قرين بالمقارن يقتدي-. وهي القصة الوحيدة في مجموعاته القصصية كلها التي قدم لها باقتباس، والقصة تحكي عن رجل يكتسب صفات الحيوانات الأليفة التي يحتفظ بها. في البداية يتصرف مثل ببغائه، ولكنه يهدى سعداناً فيما بعد فيبدأ بالتصرف مثله. وصف السعدان مثير للاهتمام: -كان القادم الجديد سعداناً صغيراً طويل الذيل أحضر من نصف الكرة الغربي، ويتمتع بسلوك لطيف نصف خجول نصف واثق سرعان ما أستحوذ على ثقة غروبي. وقد يكون من شأن أي دارس للشخصيةالقردية أن يلاحظ في النور الأحمر المتقطع لعينيه إشارة ما للمزاج الكامن، والذي اختبره الببغاء بكل ذلك الاندفاع…- وكذلك: -قرد وثني كريه لا يقول شيئاً معقولاً ومبهجاً شأن بولي المسكين-. باختصار، هو سعدان طويل الذيل من أمريكا الجنوبية. وهو سعدان ضعيف الصحة أيضاً. ويموت من -مرض يصيب الكثير من بني جنسه حين يتعرضون لتأثير مناخ المناطق الشمالية.- في تلك الأثناء كان مونرو قد بدا يستخدم اسم -ساكي- كاسم مستعار له، وكان قد اصيب بمرض خطير هو ذات الرئة المزدوجة. ومن جديد، نرى هنا تصادفاً مثيراً للفضول، ولكن يبدو لي أن لا شيء له علاقة بالصدفة في توكيده على أن سعدان غروبي قد جاء من نصف الكرة الغربي، أو بالاقتباس القائل -فكل قرين بالمقارن يقتدي-، …كما أن شخصية السعدان تلائم مونرو جداً وبشكل استثنائي وبدون شك. فقد كان هو أيضاً يتحلى بأسلوب لطيف نصف خجول ونصف واثق، ولكن ما تحت هذا المظهر الخارجي كان يكمن مزاج حاد. على المرء أن يقرأ فحسب هذه القصص ليكتشف كم كان مزاجه عنيفاً.

مختارات من «أفضل ما كتب ساكي».pdf

تفاصيل كتاب مختارات من «أفضل ما كتب ساكي».pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 0
مرات الارسال: 30

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: