حقيقة.!

قتل الكتاب الجيد يماثل قتل إنسان.

ويطـول اليـوم أكثـر مـن قـرن.pdf

من المعروف أن حب العمل هو أحد المعايير الرئيسية لكرامة الإنسان. ومن هذا الفهم يعتبر بديغاي جانغيلدين أو يديغاي العاصف كما يسميه من يعرفه من الناس كادحاً حقيقياً فعلاً. إنه واحد من أولئك الذين ترتكز الأرض على أكتافهم، كما يقولون. ويرتبط بعصره كما أتصور أنا بأوثق الروابط، وفي هذا يكمن جوهره إنَّه ابن عصره. لهذا بالذات كان من المهم بالنسبة لي، وأنا أتطرق لتلك المشاكل التي تعالجها الرواية، أن أرى العالم من خلال حياته حياة المحارب على الجبهة وعامل السكك الحديدية. وقد حاولت أن أقوم بذلك بقدر ما تيسر لي الأمر. شخصية يديغاي العاصف موقفي من المبدأ الجذري للواقعية الاشتراكية التي كان الإنسان العامل وما يزال الموضوع الرئيسي لدراستها. بيد أني بعيد عن إعطاء مفهوم الإنسان الكادح صفة الإطلاق، لمجرد أنه إنسان بسيط وطبيعي يحرث الأرض بدأب أو يرعى الماشية. فبقدر ما يكون الإنسان الكادح ذاتاً متميزة، وبقدر ما تكون عظيمة اهتماماته الروحية، وبقدر ما يتكشف زمنه فيه، يكون هذا الإنسان مهماً مقيماً في الصدام بين الأبدي والآني في الحياة. ولذا حاولت أن أضع يديغاي في مركز العالم المعاصر لي وفي وسط المشاكل التي تقلقني. يديغاي العاصف ليس مجرد كادح بطبيعته ونوعية عمله. إنه إنسان محب للعمل. والإنسان ذو النفسية المحبة للعمل سوف يطرح على نفسه الأسئلة التي تكون الأجوبة عليها جاهزة دائماً لدى الآخرين، الذين يقومون بهذا العمل أو ذاك متكاسلين، حتى لو أتقنوه، وهم لذلك يعيشون مستهلكين. يبدو أن هناك علاقة تآخ بين الناس ذوي النفسيات المحبة للعمل قهم قادرون دائماً أن يميز ويفهم أحدهم الآخر، وإن لم يقدروا على الفهم فهم قادرون على التفكير والتأمل. فزمننا يعطيهم من الزاد من أجل التفكير والتأمل ما لم يعطهم أي زمن آخر أبداً. إن سلسلة الذاكرة الإنسانية تمتد من الأرض إلى الفضاء. ويبدو أن أكثر التناقضات مأساوية في نهاية القرن العشرين تتلخص في لا محدودية العبقرية الإنسانية وفي عدم إمكانية تجسيدها بسبب العوائق السياسية والأيديولوجية والعنصرية التي تقيمها الإمبريالية. في الظروف السائدة في أيامنا هذه التي لا تتوفر فيها فقط الإمكانية التقنية للانطلاق دائماً إلى الفضاء، بل وتبرز فيها الحاجة الإنسانية والاقتصادية والإيديولوجية الملحة إلى تحقيق هذه الإمكانية، في هذه الظروف يصبح تأجيج الفرقة بين الشعوب وهدر الثروات المادية والطاقات العقلية في سباق التسلح، من أكثر الجرائم شناعة ضد الإنسانية. إن السعي إلى انفراج التوتر الدولي هو الوحيد الذي يمكن اعتباره سياسة تقدمية في هذه الأيام. وإذا لم تتعلم البشرية كيف تعيش بسلام فإنها ستموت. إذ أن جو انعدام الثقة المتبادلة والتخوف والمجابهة هو واحد من أخطر التهديدات الموجهة إلى حياة البشرية الهادئة والهانئة. قد يسامح الناس بعضهم بعضاً، لكنهم لا يستطيعون أن يوحدوا نمط تفكيرهم ويظلوا مع ذلك بشراً ومحافظين على مزاياهم الإنسانية. لقد ترافقت أطماع السيطرة والإمبريالية والإمبراطورية منذ القدم وحتى يومنا هذا بالرغبة في تجريد الإنسان من خصوصيته. إن الإنسان، إذا نسي ماضيه، يجد نفسه أمام ضرورة تحديد موقعه في العالم من نقطة البداية. فالإنسان المنقطع عن تجربة شعبه التاريخية وتجربة بقية الشعوب يجد نفسه خارج الأفق التاريخي ولا يستطيع أن يعيش إلا ليومه. ويكفينا هنا أن نتذكر الثورة الثقافية في الصين، وأن نتذكر التحكم بوعي الشعب، هذا التحكم الذي مسخ ديالكتيكية تعقيدات الحياة إلى مستوى كلام ما يسمى كتاب ماو الأحمر، يكفي أن نتذكر مصير الشعب الذي يملك تقاليد عريقة في القدم، على أرضية سياسة الهيمنة التي تتبعها القيادة الصينية اليوم، لكي نتأكد من تلازم هذه الظواهر. ومهما بدا حجم المفارقة هنا كبيراً، فإن هناك أشياء أخرى متلازمة: رفض أو تشويه الماضي، الشوفينية المتغطرسة التي لا ترضي إلا أصحابها فتضطر إلى إحاطة نفسها بسور كسور الصين، إذ لن تستطيع خرافة تفوق شعب على بقية الشعوب أن تعيش وتصمد إلا مختبئة وراء مثل هذا السور. وكما هو الحال في أعمالي السابقة، اعتمدت في هذا العمل أيضاً على الأساطير والخرافات وعلى الحكايا المتوارثة، باعتبارها تجربة تركتها الأجيال الماضية وخلفتها خصيصاً لنا. إلى جانب ذلك لجأت، ولأول مرة خلال نشاطي الأدبي كله، إلى استخدام موضوع الخيال العلمي. إلا أن هذا وذاك لا يعتبران هدفاً بحد ذاتهما، بل مجرد طريقة للتفكير وأحد أساليب إدراك وتفسير الواقع. من الطبيعي أن الأحداث المتعلقة بوصف الصلات مع الحضارة اللاأرضية وكل ما يحدث بسبب هذا لا يستند مطلقاً إلى أية أرضية حقيقية. فلا وجود واقعي في الدنيا للمطارات الكونية في صاري اوزيكي ونيفادا مطلقاً. وكل القصة الفضائية من بدع خيالي وتهدف إلى شيء واحد هو الزيادة من حدة الموقف المفعم بالمخاطر الكامنة على الناس والأرض من خلال شكل فيه مفارقة ومبالغة. المفارقة الرهيبة في هذا العالم هي أن الحروب كانت تتوقف في اليونان القديمة أثناء الألعاب الأولمبية، أما اليوم فقد أصبحت الدورة الأولمبية بالنسبة لبعض الدول حجة من أجل الحرب الباردة. أما بشأن دور الفكرة الخيالية، فإن دوستويفسكي قد كتب في حينه: الخيالي في الفن له حدود وقواعد. يجب أن يكون الخيالي على تماس مع الواقعي، لدرجة تجعلكم تكادون تصدقونه. وبهذا وضع دوستويفسكي صيغة دقيقة لقانون الخيالي. وبالفعل، فإن أساطير القدماء والواقعية الخيالية عند غوغول أو بولغاكوف أو ماركيز أو في الخيال العلمي تبدو بالرغم من كل التباين فيما بينها مقنعة بفضل قوة تماسكها مع الواقع. فالخيالي يمتن بعض جوانب الواقعي، ويبرز قواعد اللعبة بعد أن يحددها بشكل فلسفي تعميمي، محاولاً إلى أقصى الدرجات كشف القوة الممكنة لتطور السمات التي اختارها. الخيالي هو المجازية في الحياة، المجازية التي تسمح برؤية الحياة من زاوية نظر جديدة غير متوقعة. المجازية أصبحت ضرورية جداً في عصرنا، ليس فقط بسبب دخول الإنجازات العلمية التقنية إلى الميدان الذي كان بالأمس خيالاً، بل، وعلى الأغلب، لأن العالم الذي نعيش فيه عالم خيالي تمزقه التناقضات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والعنصرية. وهكذا أريد أن أتذكَّر مجازية صاري اوزيكي، في روايتي، الإنسان العامل، من جديد، بمسؤوليته عن مصير أرضنا...

ويطـول اليـوم أكثـر مـن قـرن.pdf

تفاصيل كتاب ويطـول اليـوم أكثـر مـن قـرن.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 0
مرات الارسال: 25

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: